روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | حين كانت الديانة برنامجاً للعمل!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > حين كانت الديانة برنامجاً للعمل!


  حين كانت الديانة برنامجاً للعمل!
     عدد مرات المشاهدة: 1543        عدد مرات الإرسال: 0


حين كانت الديانة برنامجاً للعمل، والشعائر وقوداً للحركة، والعقائد طاقة للكفاح والصعود، والعبادة تطهّراً وتزكية، ورقياً للطاقات، كانت الأمة صاروخاً منطلقاً إلى هدفه بكفاءة وإقتدار، وكانت صباحاً مشرقاً على دنيا الظلام، منيراً للدروب والفيافي والقفار، وكانت الرسالة حضارة غازية مُغذِّية لجفاف الأرواح والنفوس، وكانت هداية تملك القلوب والعقول والأفكار..

العلامة الدكتور توفيق الواعي يحلق بنا في أجواء ما كان وأجواء ما هو حاضر فيقول: كان المؤمن حركة قرآنية، ودعوة ربانية، ومصدراً إشعاعياً، وعزماً إيمانياً، وقدَراً إلهياً، كان المؤمن يذهب إلى المسجد ليتزوَّد بالتقوى، ويشحن بالإيمان ليتقوى على العمل، وينهض بالأعباء الكبار، وكان يصوم ليتعوَّد الصبر في المواطن، ويحكم النفس بأمر الله، ويجاهد الشهوات ليسير إلى الطيبات، ويصعد إلى الدرجات العلا.

ولهذا ما بَنى دولة الإسلام إلا عُبَّاد القوم، وما قهر الأعداء إلا رُهبان الليل، وما إنتصر في غزوة بدر في رمضان إلا صُوَّامه، وما فتح مكة وقهر الشرك إلا قُوَّامه، ومازال التاريخ يحفظ مقولة عمير بن الحمام في بدر: ركضـاً إلى الله بغيـر زاد.. إلى التقى وعمل المعـاد والصبر في الله على الجهاد وكل زاد.. عرضة النفـاد غير التقى والبر والرشاد.

وأضاف: ما كانت الصلاة عندهم ستاراً للكسالى، ولا ذريعة للتأخر عن الكفاح، وما كان الصيام عندهم موسماً للتعطل والتبطل، ولا مدعاة للتسيب وقلة الإنتاج، يُحكى أن عبد الله بن المبارك كان كثيراً ما يخرج للرباط والجهاد في سبيل الله، فخرج مرابطاً للجهاد بأرض الشام، وبلغه أن الفضيل بن عياض قد لزم العبادة بحرم مكة ولم يخرج، فكتب قصيدته المشهورة التي يقول فيها:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا *** لوجدتَ أنك بالعبـادةِ تلعـبُ

مَنْ كان يُتْعِبُ خيلَه في باطلٍ *** فخيولنا يوم الكريهـة تتعـبُ

أو كان يَخْضِبُ خدَّه بدموعهِ *** فنحُورنـا بدمائنـا تتخضَّـبُ

ريح العبير لكم ونحن عبيرُنا ُ *** رهجُ السنابك والغبارُ الأطيب

فلما بلغ ذلك الفضيل بن عياض بكى، وقال: صدق أخي ونصحني في الله.

على هذا عاش السلف الأول، وسار الركب الصالح معتزاً بنسبته إلى الله، قوياً بمدده، واثقاً بوعده: {وّعّدّ اللَّهٍ الذين آمّنٍوا مٌنكٍمً وعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ لّيّسًتّخًلٌفّنَّهٍمً فٌي الأّرًضٌ كّمّا اسًتّخًلّفّ اللذٌينّ مٌن قّبًلٌهٌمً} [النور:55]، غير هياب من باطل ولا وجل من ضلال: {الذين قّالّ لّهٍمٍ النَّاسٍ إنَّ النَّاسّ قّدً جّمّعٍوا لّكٍمً فّاخًشّوًهٍمً فّزّادّهٍمً إيمّانْا وقّالٍوا حّسًبٍنّا اللَّهٍ ونٌعًمّ الًوّكٌيلٍ} [آل عمران:173]، ولأمر ما كان الواحد من أولئك القلائل المؤمنين بالله، والمتوكلين عليه يقف أمام الجحفل اللجب، والجيش اللهام، فلا يرهب صولته، ولا يخشى أذاه، لأنه لا يخشى أحداً إلا الله، فأي شيء أعظم من تلك القوة التي كانت تَسْكُبُها العبادة في قلب الرجل المؤمن، وأي ثبات أروع من هذا البأس الذي تزرعه العقيدة في صدر الإنسان المسلم الذي يجيش بقوله تعالى: {إن يّنصٍـرًكٍمٍ اللَّهٍ فّلا غّالٌبّ لّكٍمً} [آل عمران:160].

لهذا المعنى وعلى هذا الأساس وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بـ رهبان الليل فرسان النهار، ترى أحدهم في ليله ماثلاً في محرابه، قابضاً على لحيته يتململ تململ العليل، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غُري غيري، فإذا إنفلق الإصباح، ودوى النفير يدعو للجهاد، رأيتَه رئبالاً على صهوة جواده، يزأر الزأرة فتدوي لها جنبات الميدان، ويصيح الصيحة فتنخلع لها أفئدة الفرسان، كما كان الإيمان رباطاً بين القلوب، وإخاءً بين الأرواح: {إنَّمّا المٍؤًمٌنٍونّ إخًوّةِ} [الحجرات:10]، كما كان حياة وتعاوناً وإيثاراً بين الأفراد والجماعات: {ويٍؤًثٌرٍونّ عّلّى أّنفٍسٌهٌمً ولّوً كّانّ بٌهٌمً خّصّاصّةِ} [الحشر:9]، وكان علماً وبحثاً وكشفاً وامتلاكاً لنواصي الكون، وتسخيراً لنواميس الحياة: {يّرًفّعٌ اللّهٍ الذين آمّنٍوا مٌنكٍمً والَّذٌينّ أٍوتٍوا العٌلًمّ دّرّجّاتُ} [المجادلة:11]، {قٍلٌ انظٍرٍوا مّاذّا فٌي السَّمّوّاتٌ والأّرًضٌ ومّا تٍغًنٌي الآيّاتٍ والنٍَذٍرٍ عّنً قّوًمُ لاَّ يٍؤًمٌنٍونّ} [يونس:101].

أما الحاضر، وما أدراك ما الحاضر، فقد أصبح الدين رسماً بعد عين، وظلالاً بعد أن كان حقائق، وصارت التعاليم تراثاً يُحترم أو لا يُحترم، ضاع أثره في النفوس، وَدَفْعُه للقلوب، وتَحْرِيكه للهمم، وأضحت الشعائر والمواسم والمناسبات عواطف وميولاً وعادات وطقوساً تمثل مظهراً من مظاهر التراث الشعبي، وتأتي الأيام العظيمة التي تحمل في طياتها الخير والإيمان والتجليات، فلا تحرك ساكناً أو تمثل دافعاً نحو عزة، أو كرامة، أو نصر، أو تشعل فكراً، وتوقد ذهناً إلى بحث، أو علم، أو اكتشاف، وتمضي العظات واللفتات فلا تمسح درناً، أو تُزيل هجراً، أو تصلح مجتمعاً، ويظل يأتي رمضان وراء رمضان، فلا ترى بدراً، ولا تسمع نصراً، أو تحس فتحاً، أو تشعر بأثر الإيمان العملي لا في الأفراد، ولا في الأسر، ولا في الأمم؟!

لا تجد القطيعة بين الناس، كما تجدها بين الأمم الإسلامية، بل تجد التقاتل والمحاربة، والدماء، وإستحلال الحرمات من أهل الصيام، وأهل القيام، وأمة الوحدة والرسالة.

وحينذاك وقعت الواقعة، وتكالبت على الأمة النوازل، وركعت أمام الأيام، وصارت مَهيضةً بغير جناح، كَسِيحةً بغير قوام، يُضْرَب بها المثل في الضعف والهُزال:

وَكُنا كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ سقيمةٍ *** ورِجْلٍ رَمى فيها الزمان فَشُلّت

ونظل نصرخ بالسؤال: هل ستظل الأمة عبادتها رسماًً، وشعائرها سهواً، أم تستيقظ وتتفاعل مع رسالتها وعقيدتها، وتؤدي دورها في الحياة؟

الكاتب: منى ثابت.

المصدر: موقع المستشار.